___
غرائب :
عاني الشاب جابر عبدالغفار من ضيق حاله المادي، بما يجنيه من عمله بميناء الإسكندرية بدخل منخفض، ليضطر إلى ارتكاب تصرفات خاطئة تتسب في هجر زوجته له، في حين يجند شقيقها زوجها في الجيش المصري إلا أنه يهرب من أداء الخدمة العسكرية.
حينها توجه «جابر» إلى العاصمة الإيطالية روما بجواز سفر مزور، وهنا اقتاده البعض إلى السفارة الإسرائيلية دون علمه في بادئ الأمر، حينها فر منهم، لكنه عاد إليهم بسبب سوء حالته المادية.
وتعاون «جابر» مع الموساد الإسرائيلي وأرسلوه إلى الإسكندرية لإفتتاح توكيل بالميناء، ومن هناك بدأ في إمداد الجهاز المخابراتي بالمعلومات الهامة، إلى أن بدأ العقيد أحمد عزت، أحد ضباط المخابرات المصرية، في تتبع مسيرته.
حينها توجه «جابر» إلى العاصمة البريطانية لندن على متن الطائرة، وكان خلفه العقيد «عزت»، وفور علم الجاسوس المصري بذلك إدعى إصابته بأزمة قلبية حتى لا يكمل الرحلة، وعند نقله إلى سيارة إسعاف تمكنت المخابرات المصرية من خطفه وشحنه داخل تابوت، وبصدور الحكم بإعدامه انتحر داخل محبسه.
ما سبق هو ما دار في فيلم «بئر الخيانة» عام 1987، وأدى فيه دور الجاسوس الفنان الراحل نور الشريف، وجسد شخصية العقيد عزت العلايلي، والذي قال في النهاية بعد انتحار «جابر»: «عاش خاين ومات كافر».
تلك القصة لها أصل على أرض الواقع، ويعود تاريخها إلى فبراير 1972، حينما هبط هشام علي محجوب من طائرة مصر للطيران في مطار «هيثرو» ببريطانيا، ومعه والده المريض وزوجته.
وحسب ما نقله موقع «المجموعة 73 مؤرخين» من رواية الكاتب إبراهيم نافع، وٌلد «هشام» في 6 مارس 1941، وتوجه إلى بريطانيا لعرض والده على الأطباء لإصابته بالسرطان، ولم تكن هذه الزيارة الأولى له، وأتت بعد شهور قليلة من عمله هناك كضابط أول للعمليات الجوية في شركة مصر للطيران، وكانت مهمته رسم مسارات وارتفاعات الرحلات الجوية، ومتابعة تجهيز جداول نوبتجيات الطيارين والمضيفين والموظفين حسب رواية الموقع.
وانتقل «هشام» ومعه والده إلى فندق «رويال لانكستر»، والذي تقيم فيه مجموعات مصر للطيران في لندن، وهو نفس المكان الذي كان يداوم فيه على لقاء زملائه طوال فترة وجوده.
هذه المرة كانت مختلفة عن سابقاتها، إذ تعرف «هشام» على مدير الفندق، وهو مصري يُدعى «رأفت»، وله انتماء لجهاز «الموساد» الإسرائيلي، كما أنه تحت أنظار المخابرات المصرية كذلك.
حينها نشأت علاقة صداقة بين «هشام» و«رأفت»، والذي أمر الموظفين لإجراء تخفيض نفقات الفندق، بعد أن عرف معاناة مرض الأب وقلة حيلة الابن ماديًا.
بعدها توجه الاثنان إلى بار في فندق «كمبرلاند»، وخلال ذلك اللقاء حاول «رأفت» الغوص بشكل أكبر في تفاصيل حياة «هشام»، بحجة مساعدته في العثور على عمل، ليبدأ الأخير في سرد ماضيه.
وكشف «هشام» لـ«رأفت» أنه حصل على شهادة الثانوية العامة في 1958، ثم شهادة اللاسلكي في 1959، ذاكرًا تفاصيل عمله كضابط أول عمليات جوية في مصر للطيران، وروى كامل التفاصيل عن مهامه حسب المذكور بالموقع.
وباستماع «رأفت» لـ«هشام» قال له: «اعتقد أن مؤهلاتك وشطارتك تؤهلك لعمل مع أحد أصدقائي من رجال الأعمال المقيمين هنا في البلد»، ليستفسر الآخر عن موعد اللقاء، وكان الرد أنه غير متواجد بالعاصمة لندن وسيعود بعد 10 أسابيع.
رجل الأعمال هو إنجليزي من أصل لبناني، وأعماله متناثرة في عدد كبير من البلاد، بعدها ضغط «رأفت» على «هشام» بشكل أكبر، من خلال وعده بمحاولة إجراء تخفيض آخر لمصروفاته بالفندق.
وفي أحد اللقاءات قال «رأفت» لـ«هشام» إن رجل الأعمال وصل بالأمس، وهو ما أثار سرور الأخير، وفي مساء اليوم التالي كان اللقاء الأول في كازينو الـ«بلاي بوي»، ووقع الاختيار عليه لأنه المكان الوحيد الذي لا يسجل عدد مرات زيارة الأفراد.
وبالفعل توجه «هشام» مع «رأفت» إلى رجل الأعمال، إدوارد كوشير، بالكازينو، وقدمه إليه بقوله: «تستطيع أن تعتمد عليه في كل شيء»، لينصرف بعدها مدير الفندق عنهما.
وعرف «كوشير» نفسه إلى «هشام» على أنه يعمل قومسيونجيا ووكيلًا لعدة شركات ويرغب في التعامل مع السوق المصرية، لكن تنقصه معلومات كثيرة عن أحوالها لمعرفة ما إذا كان بالإمكان استثمار أمواله في المحروسة أم لا.
وفي نهاية اللقاء طلب «كوشير» من «هشام» أن يلتقيان في اليوم التالي في نفس التوقيت بفندق «سيلفريدج»، آمرًا إياه بعدم إخبار «رأفت» بالموعد، بحجة أنه «رجل طماع».
في 17 مايو 1972 كان اللقاء الثاني بينهما، حينها قال «كوشير» إنه وكيل شركة بلجيكية للجرارات الزراعية، ويرغب في إقامة مصنعًا بالقاهرة وقدم طلبًا بخصوص ذلك، شاكيًا من عدم تلقيه الرد، ليسند إلى «هشام» وكالتها في العاصمة المصرية، واعدًا إياه بفتح مكتبًا له لإدارة أعمالها.
واشترط «كوشير» على «هشام» أن يمده بأسعار الأراضي في مصر، وكم سيتكلف شراؤها لإقامة مصنعًا للجرارات، وفي اللقاء التالي تلقى الشاب المصري طلبًا جديدًا، بأن يؤجر مقرًا في القاهرة ويمد إليه الخطوط التليفونية، حتى لو كان ذلك بالرشاوي.
وحسب رواية الموقع كان الهدف من طلبات «كوشير» هو معرفة مدى تعاون «هشام» معهم، والتعرف على المعلومات التي سيجلبها لهم.
وفي اللقاء الرابع والأخير بينهما كانت المهمة الأولى، بتكليف «هشام» بضرورة النزول إلى مصر وجمع المعلومات المطلوبة، ويعود إلى لندن خلال شهرين، وذلك نظير مبلغ 600 دولار، وذلك كله تم تحت أنظار أحد مندوبي جهاز المخابرات المصرية.
من هذه النقطة بدأ ضباط المخابرات المصرية في تتبع الموضوع، ووضعوا 4 احتمالات، منها متابعة تحركات «هشام» في القاهرة لإلقاء القبض عليه متلبسًا، أو تركه ينفذ كل تكليفات الموساد للتعرف على نقاط اهتمام وتركيز العدو، أو يتقدم «هشام» للإبلاغ عما حدث ويعتبر بذلك مواطنًا مصريًا ويصبح عميلًا مزدوج، والأخير هو التعرف على التعليمات الموجهة للجاسوس وإمداده بمعلومات مضللة.
ورأى المسؤولون ضرورة ضبط «هشام»، وأطلقوا عليه اسم كودي هو «السنجاب»، وذلك «تشبيها له بهذا الحيوان الذي يمضي وقته في جمع ثمار البندق والكستناء في حدائق لبنان، ليخزنها ويخبئها ويستعملها فيما بعد»، ووضعوه تحت المراقبة للتعرف على علاقته بالإسرائيليين، وكانت البداية من عودته إلى القاهرة في يونيو 1972 مع والده قاصدًا فندق «كليوباترا»، وقضى فيها 3 أيام حتي ينتهي من مهامه، وذلك تحت رقابة رجال المخابرات، والذين تخفوا كعمال بالفندق، حتى أن سائق السيارة الأجرة التي يرتادها ينتمي للجهاز أيضًا.
ومن خلال المراقبة لاحظوا تجوله بمكاتب السماسرة للتعرف على أسعار الأراضي، وتوجه لموظفي التليفونات لتركيب الخطوط المطلوبة حتى ولو بطرق ملتوية، مع العلم أنه كان يتهرب منهم في بعض الأحيان، مثل الدوران حول ميدان التحرير بسيارته لمرات عدة، والدخول في طريق مسدود.
وتبين لرجال المخابرات أن قطع الأراضي الذي كلفه به «كوشير» للسؤال عنها تقع في منطقة كوم أوشيم بالجيزة، بجوار قاعدة مصنفة ضمن نطاقات الدفاع الجوي عن القاهرة الكبرى.
وبانتهاء الإجازة عاد «هشام» محملًا بالمعلومات إلى لندن تحت أنظار رجال المخابرات، ونزل بفندق «سافوي كورت» حسب تعليمات «كوشير»، ليكون بعيدًا عن نظيره «رويال لانكستر» الذي ترتاده أفواج مصر للطيران.
كانت التعليمات لـ«هشام» هي انتظار اتصال هاتفي من «كوشير»، وبعد يوم كامل، وبالفعل حادثه الأخير وتقابلا في أحد المطاعهم بالفندق.
وفي اللقاء أبدى «كوشير» إعجابه بما حصل عليه «هشام» من معلومات، لكن طلب منه بعض التفاصيل عن حياته وأسرته حتى يقدمه إلى الشركة حسب زعمه، ليخبره عن طبيعة عمل والده وإخوته.
وبتعرف «كوشير» على تفاصيل عمل والد وشقيق «هشام» وعد الأخير بانتظار مكالمة هاتفية للذهاب إلى رئيس الشركة البلجيكية المزعومة، وهو ما حدث آمرًا إياه بتوجهه إلى فندق «ستراند بالاس».
وفور أن وصل «كوشير» لمقابلة «هشام» قال له: «سنذهب الآن إلي الشقة التي ينزل بها مدير الشركة البلجيكية» حسب رواية الموقع، وبالفعل توجها إلى المنزل.
وبوصولهما فوجئ «هشام» بـ4 حراس يفتشونه ذاتيًا، واقتادوه إلي مكتب أغلقوه عليه، وبعد ساعة حضر «كوشير» مخاطبًا إياه قائلًا: «أنت الآن يا عزيزي في السفارة الإسرائيلية»، وهو ما أثار تعجب رجال المتابعة من جانب المخابرات المصرية.
ومنذ ذلك الحين نبه رجال المخابرات المحيطين بـ«هشام» في مجال العمل بالقاهرة، وفي لندن كذلك بالأمر، في تلك الأثناء كان «كوشير» يضغط عليه بتهديده بأن الموساد يمتلك إيصالات بتوقيعه، وصورة له معهم، وأوراق سبق أن سلمها إليهم بخط يده، وفي حالة رفضه العمل معهم سيرسلون تلك الأوراق إلى المخابرات المصرية.
ومن هذه اللحظة بدأ «كوشير» في الحصول على تفاصيل دقيقة من «هشام» بخصوص من يعرفهم من داخل القوات المسلحة من أقاربه.
بعدها بأيام توجه «كوشير» مصطحبًا «هشام» إلى إحدى الشقق السكنية، وهناك تعرف الأخير على شخص آخر يُدعى «جورج»، والذي درب الجاسوس المصري على استخدام الحبر السري، وكذلك أسلوب استقباله للتعليمات الصادرة له منهم بواسطة الراديو.
ومن هذه اللحظة تلقى «هشام» التعليمات بالتعرف على المعلومات العسكرية، وفي المقابل بدأ نشاط المخابرات المصرية، من خلال مد الجاسوس بمعلومات مضللة عن طريق أصدقائه، وذلك ضمن خطة الخداع الاستراتيجي لحرب أكتوبر 1973.
وتوجه «هشام» إلى فندق «رويال لانكستر» من جديد لمحاولة استجواب زملاءه في إحدى شركات الطيران فيما يخص المسؤولين الذين يستقلون الطائرات، ويحاول معرفة آخر أنباء أصدقائهم العاملين في القوات الجوية، وأماكن القواعد العسكرية كذلك، لكن أغلب ما جمعه كان ضمن خطة «التضليل» التي أدتها المخابرات المصرية.
المعلومة الأبرز حسب رواية الموقع تمثلت في أن طائرات سلاح الجو المصري سوفيتية الصنع ستصبح خردة في ظرف شهور إذا استمر تباطؤ موسكو في إمداد القوات المسلحة بقطع الغيار، وأن النسبة الغالبة من المعدات الخاصة الموجودة في قاعدة كوم أوشيم، لا تستطيع الصمود في معركة يزيد طولها على 48 ساعة.
إضافةً إلى معلومات تتعلق بتوجه أغلب قادة الجيش إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، بجانب نفيهم وجود احتمالات بشن القوات المصرية لأي هجوم، وهي المعلومات التي نقلها «هشام» إلى الجانب الإسرائيلي.
بهذه الأحداث ظن «هشام» أنه أدى واجبه على أكمل وجه، لكنه فوجئ، في الثانية ظهر يوم السادس من أكتوبر، بسماعه عبارة «الحرب قامت.. ومصر وسوريا هاجمتا إسرائيل!» خلال سيره في الشارع.
بعدها عاد «هشام» مسرعًا إلى منزله، وأرسل خطابات للموساد على العناوين المحددة له، ولكن لم تصل للجانب الإسرائيلي لحيازة المخابرات المصرية لها قبل العدو.
وفي أعقاب الحرب توجه «هشام» إلى إسرائيل بجواز سفر يحمل اسمًا مزيفًا من مطار «أورلي» بفرنسا، والتحق به «كوشير»، وهناك قرروا إعادة تدريبه من جديد، وعاد إلى فرنسا بجهاز لاسلكي.
بعدها بفترة ذهب «هشام» إلى القاهرة من جديد، وعلى الفور توجه رجال المخابرات إلى محل إقامته بعد خروجه منه، وعطلوا جهاز اللاسلكي، ليعود مرة أخرى لإسرائيل ويدربوه على جهاز آخر يتم إخفاءه في ثلاجة صغيرة.
ومن هذه النقطة نسقت السلطات مع نيابة أمن الدولة لإلقاء القبض على «هشام»، ونجحت العملية.
وأجرى رجال نيابة أمن الدولة التحقيق مع «هشام»، والذي اعترف فيما بعد أمام القضاء بخيانته، وصدر قرارًا بإعدامه، لكنه توفى قبل تنفيذ العقوبة عليه، ورجحت الأقاويل أنه مات منتحرا، حسب المذكور بالموقع، لتنطبق عليه جملة عزت العلايلي في نهاية فيلم بئر الخيانة «عاش خاين ومات كافر».
عاني الشاب جابر عبدالغفار من ضيق حاله المادي، بما يجنيه من عمله بميناء الإسكندرية بدخل منخفض، ليضطر إلى ارتكاب تصرفات خاطئة تتسب في هجر زوجته له، في حين يجند شقيقها زوجها في الجيش المصري إلا أنه يهرب من أداء الخدمة العسكرية.
حينها توجه «جابر» إلى العاصمة الإيطالية روما بجواز سفر مزور، وهنا اقتاده البعض إلى السفارة الإسرائيلية دون علمه في بادئ الأمر، حينها فر منهم، لكنه عاد إليهم بسبب سوء حالته المادية.
وتعاون «جابر» مع الموساد الإسرائيلي وأرسلوه إلى الإسكندرية لإفتتاح توكيل بالميناء، ومن هناك بدأ في إمداد الجهاز المخابراتي بالمعلومات الهامة، إلى أن بدأ العقيد أحمد عزت، أحد ضباط المخابرات المصرية، في تتبع مسيرته.
حينها توجه «جابر» إلى العاصمة البريطانية لندن على متن الطائرة، وكان خلفه العقيد «عزت»، وفور علم الجاسوس المصري بذلك إدعى إصابته بأزمة قلبية حتى لا يكمل الرحلة، وعند نقله إلى سيارة إسعاف تمكنت المخابرات المصرية من خطفه وشحنه داخل تابوت، وبصدور الحكم بإعدامه انتحر داخل محبسه.
ما سبق هو ما دار في فيلم «بئر الخيانة» عام 1987، وأدى فيه دور الجاسوس الفنان الراحل نور الشريف، وجسد شخصية العقيد عزت العلايلي، والذي قال في النهاية بعد انتحار «جابر»: «عاش خاين ومات كافر».
تلك القصة لها أصل على أرض الواقع، ويعود تاريخها إلى فبراير 1972، حينما هبط هشام علي محجوب من طائرة مصر للطيران في مطار «هيثرو» ببريطانيا، ومعه والده المريض وزوجته.
وحسب ما نقله موقع «المجموعة 73 مؤرخين» من رواية الكاتب إبراهيم نافع، وٌلد «هشام» في 6 مارس 1941، وتوجه إلى بريطانيا لعرض والده على الأطباء لإصابته بالسرطان، ولم تكن هذه الزيارة الأولى له، وأتت بعد شهور قليلة من عمله هناك كضابط أول للعمليات الجوية في شركة مصر للطيران، وكانت مهمته رسم مسارات وارتفاعات الرحلات الجوية، ومتابعة تجهيز جداول نوبتجيات الطيارين والمضيفين والموظفين حسب رواية الموقع.
وانتقل «هشام» ومعه والده إلى فندق «رويال لانكستر»، والذي تقيم فيه مجموعات مصر للطيران في لندن، وهو نفس المكان الذي كان يداوم فيه على لقاء زملائه طوال فترة وجوده.
هذه المرة كانت مختلفة عن سابقاتها، إذ تعرف «هشام» على مدير الفندق، وهو مصري يُدعى «رأفت»، وله انتماء لجهاز «الموساد» الإسرائيلي، كما أنه تحت أنظار المخابرات المصرية كذلك.
حينها نشأت علاقة صداقة بين «هشام» و«رأفت»، والذي أمر الموظفين لإجراء تخفيض نفقات الفندق، بعد أن عرف معاناة مرض الأب وقلة حيلة الابن ماديًا.
بعدها توجه الاثنان إلى بار في فندق «كمبرلاند»، وخلال ذلك اللقاء حاول «رأفت» الغوص بشكل أكبر في تفاصيل حياة «هشام»، بحجة مساعدته في العثور على عمل، ليبدأ الأخير في سرد ماضيه.
وكشف «هشام» لـ«رأفت» أنه حصل على شهادة الثانوية العامة في 1958، ثم شهادة اللاسلكي في 1959، ذاكرًا تفاصيل عمله كضابط أول عمليات جوية في مصر للطيران، وروى كامل التفاصيل عن مهامه حسب المذكور بالموقع.
وباستماع «رأفت» لـ«هشام» قال له: «اعتقد أن مؤهلاتك وشطارتك تؤهلك لعمل مع أحد أصدقائي من رجال الأعمال المقيمين هنا في البلد»، ليستفسر الآخر عن موعد اللقاء، وكان الرد أنه غير متواجد بالعاصمة لندن وسيعود بعد 10 أسابيع.
رجل الأعمال هو إنجليزي من أصل لبناني، وأعماله متناثرة في عدد كبير من البلاد، بعدها ضغط «رأفت» على «هشام» بشكل أكبر، من خلال وعده بمحاولة إجراء تخفيض آخر لمصروفاته بالفندق.
وفي أحد اللقاءات قال «رأفت» لـ«هشام» إن رجل الأعمال وصل بالأمس، وهو ما أثار سرور الأخير، وفي مساء اليوم التالي كان اللقاء الأول في كازينو الـ«بلاي بوي»، ووقع الاختيار عليه لأنه المكان الوحيد الذي لا يسجل عدد مرات زيارة الأفراد.
وبالفعل توجه «هشام» مع «رأفت» إلى رجل الأعمال، إدوارد كوشير، بالكازينو، وقدمه إليه بقوله: «تستطيع أن تعتمد عليه في كل شيء»، لينصرف بعدها مدير الفندق عنهما.
وعرف «كوشير» نفسه إلى «هشام» على أنه يعمل قومسيونجيا ووكيلًا لعدة شركات ويرغب في التعامل مع السوق المصرية، لكن تنقصه معلومات كثيرة عن أحوالها لمعرفة ما إذا كان بالإمكان استثمار أمواله في المحروسة أم لا.
وفي نهاية اللقاء طلب «كوشير» من «هشام» أن يلتقيان في اليوم التالي في نفس التوقيت بفندق «سيلفريدج»، آمرًا إياه بعدم إخبار «رأفت» بالموعد، بحجة أنه «رجل طماع».
في 17 مايو 1972 كان اللقاء الثاني بينهما، حينها قال «كوشير» إنه وكيل شركة بلجيكية للجرارات الزراعية، ويرغب في إقامة مصنعًا بالقاهرة وقدم طلبًا بخصوص ذلك، شاكيًا من عدم تلقيه الرد، ليسند إلى «هشام» وكالتها في العاصمة المصرية، واعدًا إياه بفتح مكتبًا له لإدارة أعمالها.
واشترط «كوشير» على «هشام» أن يمده بأسعار الأراضي في مصر، وكم سيتكلف شراؤها لإقامة مصنعًا للجرارات، وفي اللقاء التالي تلقى الشاب المصري طلبًا جديدًا، بأن يؤجر مقرًا في القاهرة ويمد إليه الخطوط التليفونية، حتى لو كان ذلك بالرشاوي.
وحسب رواية الموقع كان الهدف من طلبات «كوشير» هو معرفة مدى تعاون «هشام» معهم، والتعرف على المعلومات التي سيجلبها لهم.
وفي اللقاء الرابع والأخير بينهما كانت المهمة الأولى، بتكليف «هشام» بضرورة النزول إلى مصر وجمع المعلومات المطلوبة، ويعود إلى لندن خلال شهرين، وذلك نظير مبلغ 600 دولار، وذلك كله تم تحت أنظار أحد مندوبي جهاز المخابرات المصرية.
من هذه النقطة بدأ ضباط المخابرات المصرية في تتبع الموضوع، ووضعوا 4 احتمالات، منها متابعة تحركات «هشام» في القاهرة لإلقاء القبض عليه متلبسًا، أو تركه ينفذ كل تكليفات الموساد للتعرف على نقاط اهتمام وتركيز العدو، أو يتقدم «هشام» للإبلاغ عما حدث ويعتبر بذلك مواطنًا مصريًا ويصبح عميلًا مزدوج، والأخير هو التعرف على التعليمات الموجهة للجاسوس وإمداده بمعلومات مضللة.
ورأى المسؤولون ضرورة ضبط «هشام»، وأطلقوا عليه اسم كودي هو «السنجاب»، وذلك «تشبيها له بهذا الحيوان الذي يمضي وقته في جمع ثمار البندق والكستناء في حدائق لبنان، ليخزنها ويخبئها ويستعملها فيما بعد»، ووضعوه تحت المراقبة للتعرف على علاقته بالإسرائيليين، وكانت البداية من عودته إلى القاهرة في يونيو 1972 مع والده قاصدًا فندق «كليوباترا»، وقضى فيها 3 أيام حتي ينتهي من مهامه، وذلك تحت رقابة رجال المخابرات، والذين تخفوا كعمال بالفندق، حتى أن سائق السيارة الأجرة التي يرتادها ينتمي للجهاز أيضًا.
ومن خلال المراقبة لاحظوا تجوله بمكاتب السماسرة للتعرف على أسعار الأراضي، وتوجه لموظفي التليفونات لتركيب الخطوط المطلوبة حتى ولو بطرق ملتوية، مع العلم أنه كان يتهرب منهم في بعض الأحيان، مثل الدوران حول ميدان التحرير بسيارته لمرات عدة، والدخول في طريق مسدود.
وتبين لرجال المخابرات أن قطع الأراضي الذي كلفه به «كوشير» للسؤال عنها تقع في منطقة كوم أوشيم بالجيزة، بجوار قاعدة مصنفة ضمن نطاقات الدفاع الجوي عن القاهرة الكبرى.
وبانتهاء الإجازة عاد «هشام» محملًا بالمعلومات إلى لندن تحت أنظار رجال المخابرات، ونزل بفندق «سافوي كورت» حسب تعليمات «كوشير»، ليكون بعيدًا عن نظيره «رويال لانكستر» الذي ترتاده أفواج مصر للطيران.
كانت التعليمات لـ«هشام» هي انتظار اتصال هاتفي من «كوشير»، وبعد يوم كامل، وبالفعل حادثه الأخير وتقابلا في أحد المطاعهم بالفندق.
وفي اللقاء أبدى «كوشير» إعجابه بما حصل عليه «هشام» من معلومات، لكن طلب منه بعض التفاصيل عن حياته وأسرته حتى يقدمه إلى الشركة حسب زعمه، ليخبره عن طبيعة عمل والده وإخوته.
وبتعرف «كوشير» على تفاصيل عمل والد وشقيق «هشام» وعد الأخير بانتظار مكالمة هاتفية للذهاب إلى رئيس الشركة البلجيكية المزعومة، وهو ما حدث آمرًا إياه بتوجهه إلى فندق «ستراند بالاس».
وفور أن وصل «كوشير» لمقابلة «هشام» قال له: «سنذهب الآن إلي الشقة التي ينزل بها مدير الشركة البلجيكية» حسب رواية الموقع، وبالفعل توجها إلى المنزل.
وبوصولهما فوجئ «هشام» بـ4 حراس يفتشونه ذاتيًا، واقتادوه إلي مكتب أغلقوه عليه، وبعد ساعة حضر «كوشير» مخاطبًا إياه قائلًا: «أنت الآن يا عزيزي في السفارة الإسرائيلية»، وهو ما أثار تعجب رجال المتابعة من جانب المخابرات المصرية.
ومنذ ذلك الحين نبه رجال المخابرات المحيطين بـ«هشام» في مجال العمل بالقاهرة، وفي لندن كذلك بالأمر، في تلك الأثناء كان «كوشير» يضغط عليه بتهديده بأن الموساد يمتلك إيصالات بتوقيعه، وصورة له معهم، وأوراق سبق أن سلمها إليهم بخط يده، وفي حالة رفضه العمل معهم سيرسلون تلك الأوراق إلى المخابرات المصرية.
ومن هذه اللحظة بدأ «كوشير» في الحصول على تفاصيل دقيقة من «هشام» بخصوص من يعرفهم من داخل القوات المسلحة من أقاربه.
بعدها بأيام توجه «كوشير» مصطحبًا «هشام» إلى إحدى الشقق السكنية، وهناك تعرف الأخير على شخص آخر يُدعى «جورج»، والذي درب الجاسوس المصري على استخدام الحبر السري، وكذلك أسلوب استقباله للتعليمات الصادرة له منهم بواسطة الراديو.
ومن هذه اللحظة تلقى «هشام» التعليمات بالتعرف على المعلومات العسكرية، وفي المقابل بدأ نشاط المخابرات المصرية، من خلال مد الجاسوس بمعلومات مضللة عن طريق أصدقائه، وذلك ضمن خطة الخداع الاستراتيجي لحرب أكتوبر 1973.
وتوجه «هشام» إلى فندق «رويال لانكستر» من جديد لمحاولة استجواب زملاءه في إحدى شركات الطيران فيما يخص المسؤولين الذين يستقلون الطائرات، ويحاول معرفة آخر أنباء أصدقائهم العاملين في القوات الجوية، وأماكن القواعد العسكرية كذلك، لكن أغلب ما جمعه كان ضمن خطة «التضليل» التي أدتها المخابرات المصرية.
المعلومة الأبرز حسب رواية الموقع تمثلت في أن طائرات سلاح الجو المصري سوفيتية الصنع ستصبح خردة في ظرف شهور إذا استمر تباطؤ موسكو في إمداد القوات المسلحة بقطع الغيار، وأن النسبة الغالبة من المعدات الخاصة الموجودة في قاعدة كوم أوشيم، لا تستطيع الصمود في معركة يزيد طولها على 48 ساعة.
إضافةً إلى معلومات تتعلق بتوجه أغلب قادة الجيش إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، بجانب نفيهم وجود احتمالات بشن القوات المصرية لأي هجوم، وهي المعلومات التي نقلها «هشام» إلى الجانب الإسرائيلي.
بهذه الأحداث ظن «هشام» أنه أدى واجبه على أكمل وجه، لكنه فوجئ، في الثانية ظهر يوم السادس من أكتوبر، بسماعه عبارة «الحرب قامت.. ومصر وسوريا هاجمتا إسرائيل!» خلال سيره في الشارع.
بعدها عاد «هشام» مسرعًا إلى منزله، وأرسل خطابات للموساد على العناوين المحددة له، ولكن لم تصل للجانب الإسرائيلي لحيازة المخابرات المصرية لها قبل العدو.
وفي أعقاب الحرب توجه «هشام» إلى إسرائيل بجواز سفر يحمل اسمًا مزيفًا من مطار «أورلي» بفرنسا، والتحق به «كوشير»، وهناك قرروا إعادة تدريبه من جديد، وعاد إلى فرنسا بجهاز لاسلكي.
بعدها بفترة ذهب «هشام» إلى القاهرة من جديد، وعلى الفور توجه رجال المخابرات إلى محل إقامته بعد خروجه منه، وعطلوا جهاز اللاسلكي، ليعود مرة أخرى لإسرائيل ويدربوه على جهاز آخر يتم إخفاءه في ثلاجة صغيرة.
ومن هذه النقطة نسقت السلطات مع نيابة أمن الدولة لإلقاء القبض على «هشام»، ونجحت العملية.
وأجرى رجال نيابة أمن الدولة التحقيق مع «هشام»، والذي اعترف فيما بعد أمام القضاء بخيانته، وصدر قرارًا بإعدامه، لكنه توفى قبل تنفيذ العقوبة عليه، ورجحت الأقاويل أنه مات منتحرا، حسب المذكور بالموقع، لتنطبق عليه جملة عزت العلايلي في نهاية فيلم بئر الخيانة «عاش خاين ومات كافر».
0 التعليقات:
إرسال تعليق